السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
{ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ( 201 )} من سورة الأعراف
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنِ الْمُتَّقِينَ مِنْ عِبَادِهِ الَّذِينَ أَطَاعُوهُ فِيمَا أَمَرَ ، وَتَرَكُوا مَا عَنْهُ زَجَرَ ،
أَنَّهُمْ ( إِذَا مَسَّهُمْ ) أَيْ : أَصَابَهُمْ " طَيْفٌ " وَقَرَأَ آخَرُونَ : " طَائِفٌ " ، وَقَدْ جَاءَ فِيهِ حَدِيثٌ ،
وَهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ ، فَقِيلَ : بِمَعْنًى وَاحِدٍ . وَقِيلَ : بَيْنَهُمَا فَرْقٌ ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَسَّرَ ذَلِكَ بِالْغَضَبِ ،
وَمِنْهُمْ مَنْ فَسَّرَهُ بِمَسِّ الشَّيْطَانِ بِالصَّرَعِ وَنَحْوِهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَسَّرَهُ بِالْهَمِّ بِالذَّنْبِ ،
وَمِنْهُمْ مَنْ فَسَّرَهُ بِإِصَابَةِ الذَّنْبِ .
وَقَوْلُهُ : ( تَذَكَّرُوا ) أَيْ : عِقَابَ اللَّهِ وَجَزِيلَ ثَوَابِهِ ، وَوَعْدَهُ وَوَعِيدَهُ ، فَتَابُوا وَأَنَابُوا ،
وَاسْتَعَاذُوا بِاللَّهِ وَرَجَعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَرِيبٍ . (فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ) أَيْ : قَدِ اسْتَقَامُوا وَصَحَوْا مِمَّا كَانُوا فِيهِ .
وَقَدْ أَوْرَدَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدَوَيْهِ هَاهُنَا حَدِيثَ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِهَا طَيْفٌ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَشْفِيَنِي .
فَقَالَ : " إِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ فَشَفَاكِ ، وَإِنْ شِئْتِ فَاصْبِرِي وَلَا حِسَابَ عَلَيْكِ " .
فَقَالَتْ : بَلْ أَصْبِرُ ، وَلَا حِسَابَ عَلَيَّ . [صححه الشيخ أحمد شاكر]
وَرَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ السُّنَنِ ، وَعِنْدَهُمْ : قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي أُصْرَعُ وَأَتَكَشَّفُ ،
فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَشْفِيَنِي . فَقَالَ إِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يَشْفِيَكَ ، وَإِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ ؟ "
فَقَالَتْ : بَلْ أَصْبِرُ ، وَلِيَ الْجَنَّةُ ، وَلَكِنِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ ، فَدَعَا لَهَا ، فَكَانَتْ لَا تَتَكَشَّفُ .
[صححه الشيخ أحمد شاكر]
وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ ، وَقَالَ : صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ
وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ " عَمْرِو بْنِ جَامِعٍ " مِنْ تَارِيخِهِ : أَنَّ شَابًّا كَانَ يَتَعَبَّدُ فِي الْمَسْجِدِ ،
فَهَوِيَتْهُ امْرَأَةٌ ، فَدَعَتْهُ إِلَى نَفْسِهَا ، وَمَا زَالَتْ بِهِ حَتَّى كَادَ يَدْخُلُ مَعَهَا الْمَنْزِلَ ، فَذَكَرَ هَذِهِ الْآيَةَ :
{إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ }
فَخَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ ، ثُمَّ أَفَاقَ فَأَعَادَهَا ، فَمَاتَ . فَجَاءَ عُمَرُ فَعَزَّى فِيهِ أَبَاهُ وَكَانَ قَدْ دُفِنَ لَيْلًا فَذَهَبَ
فَصَلَّى عَلَى قَبْرِهِ بِمَنْ مَعَهُ ، ثُمَّ نَادَاهُ عُمَرُ فَقَالَ : يَا فَتَى ( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ )
[ الرَّحْمَنِ : 46 ]
وَأَجَابَهُ الْفَتَى مِنْ دَاخِلِ الْقَبْرِ : يَا عُمَرُ ، قَدْ أَعْطَانِيهِمَا رَبِّي ، عَزَّ وَجَلَّ ، فِي الْجَنَّةِ مَرَّتَيْنِ .
الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى
تفسير القرآن العظيم