مناسبات الدموع
تتفاوت مناسبات الدموع بين البشر … فهناك نسبة من البشر يبكون عند مشاهدتهم للفيلم التليفزيوني أو السينمائي، ونسبة أخرى عند فراق الأحبة، ونسبة عند المشاجرة مع الأزواج، ونسبة عند سماع الموسيقى.
أما بقية البشر والتي نسبتها 51% في بعض الشعوب المتقدمة فإنهم لا يبكون أبداً. وتكاد تبكى نتائج هذه الدراسة الفرنسية وهى تعلن أن الأمل الوحيد في زيادة نسبة البكاء وزيادة الدموع لن يكون إلا عند النساء والشباب الصغير.
هذا لأن نسبة 61% ممن تتراوح أعمارهم بين 15 عاماً و 24 عاماً يُعتبرون أرضاً خصبة لإمكانية تساقط الدموع فيها … أما الأرض الجرداء التى تنعدم فيها فرص الدموع فهي أرض من بلغت أعمارهم الخامسة والثلاثين وحتى التاسعة والأربعين. ويبدو أن هؤلاء قد جفَّت دموعهم من إثر فزع الحياة المبكر …
وتتعرض الدراسة لمن يحترفون الدموع فتقول: إن للدموع مهاماً خاصة وتحت الطلب فقد كان من تقاليد الموت والعزاء استدعاء " النَّدابة " التى تأتى خصيصاً وبعد أن تقبض الثمن لتبكى وتصرخ وتقطع في شعرها حزناً وكمداً وألماً على الفقيد الذي دفع لها أهله ثمن الحزن عليه.
دموع التماسيح:
المعروف والثابت علمياً أن الحيوانات لا تعرف الدمع أبداً (الناتج عن الشعور بالألم الروحي)، فالحيوانات لا تبكى أبداً بالرغم من أنهم يملكون قنوات دمعية ولديهم دموعا ولكنها لا تظهر إلا لأسباب عضوية بحتة إذا هيجت النهايات الحسية العصبية في عينيها … مثل ترطيب العينين، ولكنها لا تبكى مثلنا أبدا من أجل المشاعر وأحاسيس معينة.
وهنالك حيوانات لا يُستثار دمعها أبداً كالتماسيح التى امتنعت استثارة الدمع فيها على العلماء والباحثين مع أن التشريح أثبت وجود غدد دمعية متكاملة لديها. لذلك كان مثل " دموع التماسيح " مجانباً للدقة.
وفى رأيي أن عبارة " دموع التماسيح "هذه تطلق على الإنسان الغير صادق في مشاعره أو الذي يصطنع البكاء في المواقف التى تحتاج البكاء والتحزن الذي يعقبه عذر وإفك، تماماً كالتماسيح (التى ينزل الدمع بغزارة من عينيها كلما جرى المضغ) مع أن المعروف عنها عدم البكاء.
قال ابن المعتز:
ثم بكوا من بعده وناحوا
كذباً كما يفعل التمساح
وفى النهاية أعلنت الدراسة أن الخوف كل الخوف أن تكون خطوات الإنسان تتجه في نهايات هذا القرن إلى تصرفات الحيوان الذي يجهل معنى الدموع والذي يتألم حتى دون أن يستطيع التعبير إلى أن يموت الألم بداخله، وقانا الله شر ذلك.
لما تبكى المرأة أكثر من الرجل ؟ ؟
يعتقد البعض أن البكاء بالنسبة للرجل إشارة إلى ضعفه، لهذا فالرجل أقل بكاء، وقد أيَّد ذلك بعض العلماء، إلا أنهم وجدوا حديثاً أن هرمون " البرولكتين Prolactin "وهى المادة الضرورية في تكوين الدموع موجودة بنسبة كبيرة في المرأة عنها في الرجل.
وهذه الحقيقة توضِّح أن المرأة لديها قابلية طبيعية للبكاء أكثر من الرجل … ولعل السؤال السابق يجر سؤالاً آخر ربما يلقى لنا الضوء على حقيقة أخرى … وهذا السؤال هو:
لماذا يميل الرجل إلى عدم البكاء ؟ ؟
إذا تسللنا إلى أعماق الرجل نراه يجد صعوبة كبيرة في التحدث أو التعبير عن مشاعره الدفينة وأسباب ذلك كثيرة … فالبعض تعلم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة أنه لا يليق بالرجل أن يعبر عن مشاعره علانية وبخاصة مشاعر الألم حيث يعتبر ذلك ليس من الرجولة.
كذلك فهناك مجتمعات لا تحترم الشخص الذي يبكى وتُعِّلم أبناءها منذ الصغر أن البكاء للأطفال والضعفاء فقط. وعلى عكس ذلك فهناك مجتمعات أخرى تعبِّر عن انفعالاتها بشكل ملحوظ ولا تستطيع السيطرة على مشاعرها أو التحكم في دموعها.
ويعتقد البعض الآخر أن التعبير عن الألم يُظهر نقص الإيمان بالله تعالى. وهذا اعتقاد خاطئ لأنه على العكس والنقيض من ذلك … فالبكاء عند سماع الموعظة أو عند التأثر بموقف معين هو صميم الإيمان بالله تعالى … يقول الحق سبحانه وتعالى )تولوا وأعينهم تفيض من الدمع ألا يجدوا ما ينفقون(البقرة آية 92. ويقول جل شأنه في سورة مريم: آية (58) )(إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سُجدا وبُكياً )كذلك فهناك الحديث المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم عندما حزن وبكى على فقدان ابنه إبراهيم … فقال " إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون وإنا لله وإنا إليه راجعون. "
فعندما يغمر ( الرجل ) الحزن والأسى فإنه لا يعرف كيف يُعِّبر عن مشاعره بطريقة إيجابية وقد يتمركز حول ذاته، وقد ينغمس في عادات معتقداً أنها يمكن أن تُبَّدل أحزانه، وقد يفقد اهتمامه بالعمل ببعض المسئوليات التى يقوم بها.
البكاء بين الرجل والمرأة
أجرى الكيميائي " وليم فرى "عدة دراسات وأبحاث مع فريق من زملائه، منها دراسة على (331) متطوعاً من الجنسين تتراوح أعمارهم بين 18 – 75 سنة وقد طلب من متطوع تسجيل يومياته عن البكاء لمدة ثلاثين يوماً.
وقد أظهرت النتائج أن السيدات سجلن 5.4 حالة بكاء كاستجابة لجهد انفعالي خلال هذه المدة، على حين سجل الرجال متوسط 1.4 حالة … وأتضح من الدراسة أن 73% من الرجال و 85% من السيدات بصفة عامة شعروا بارتياح بعد البكاء.
من بين أفراد تلك المجموعة لم يبك 45% من الرجال و 6% من السيدات الذين يتمتعون بصحة جيدة.
أما أسباب البكاء الرئيسية للمرأة فقد تضمنت علاقات مع الناس وغالباً لانفصالها عن شخصية محبوبة … وكانت الانفعالات الأساسية هي الحزن بنسبة 49% والفرح بنسبة 21% والغضب 10% بينما عبرت معظم السيدات عن غضبهن بالدموع فإن الرجال لم يفعلوا ذلك.
وأكدت تجارب " فرى "أن الدموع تخلص الإنسان من مواد سامة يصنعها الجسم كله في حالة توتر … وأنه يجب أن يُنظر للبكاء على أنه عملية تنظيف مثل التبول والعرق وكشفت الدراسة أن تركيب الدموع يختلف تبعاً لمسبباته وللأشخاص الباكين أيضاً. فقد تبين أن دموع الفرح مثلاً تحتوى على نسبة كبيرة من الزلال تزيد بح والى 25% عن الدموع الأخرى.
كما أتضح أن نوبات البكاء تحدث بشكل أساسي بين السابعة والعاشرة مساءاً … وأن احتمال البكاء أثناء مشاهدة فيلم مؤثر أكثر في المساء عنه في الصباح.
كيف تتعامل مع بكاء الأطفال ؟؟
يثير كثير من الوالدين تساؤلات عدة حول موقفهم من بكاء الأطفال المستمر ولأتفه الأسباب … ويجيب المتخصصون على ذلك بعدم تلبية كل طلبات الطفل عندما يبدأ في البكاء، وأن يوضحوا له بطريقة حازمة أنه إذا طلب شيئاً بهذه اللهجة الباكية فإنه لن يحصل عليها.
وفى الواقع فقد اختلف العلماء في موضع الاستجابة لبكاء الطفل: فبعضهم يرى عدم الاستجابة لبكاء الطفل إلا بعد فترة لأن ذلك حسب آرائهم مفيد في تقوية عضلات الصدر والرئتين … أما البعض الآخر فيرى ضرورة الاستجابة فوراً عند بكائه وذلك بإطعامه أو بالهزهزة السريعة لأن ذلك حسب قولهم له تأثير كبير على الجهاز العصبي للطفل مما يجعله يستجيب ويتوقف عن البكاء.
متى يكون بكاء الطفل ضاراً ؟؟
قد يلجأ الطفل في شهوره الأولى إلى البكاء كوسيلة للتعبير عن نفسه ولجذب الانتباه إلى ضيقاته … فيلجأ إلى التباكي ( الغير مصحوب بالدموع ) وهذا البكاء قد يكون ضاراً … لأنه من المحتمل أن يعمل على جفاف الغشاء المخاطي للأنف والزور مما يجعله أكثر حساسية للبكتريا الضارة
الدموع بين الشح والإفراط
تختلف وتتفاوت نسبة الدمع المفرزة كماً ونوعاً حسب اختلاف الظروف الداخلية والخارجية. ولكن يبلغ ذلك معدل يتراوح بين 0.7 – 100 ميكروليتر في الدقيقة، ويبدو أن النساء أكثر ذرفاً للدمع من الرجال. وهذا قد يفسر كونهن أكثر نجاحاً في لبس العدسات اللاصقة .
وعند الولادة يكون إفراز الدمع في حده الأصغر، وقد لا يلاحظ الدمع قبل الأسابيع الأربعة الأولي من العمر وقد لا يبدأ إفراز الدمع المائي قبل الشهور الستة الأولي .
وكذلك تقل كمية الدمع عند كبار المسنين، و يقل إفراز الدمع في حالات الإرهاق العصبي والجسمي، ومن الملاحظ قلة إفراز الدمع وحدوث جفاف العين والفم في نهاية النهار بعد يوم حافل بالتعب المتواصل.
وقد يشح الدمع في أمراض كثيرة لا حصر لها فيحدث جفاف للعين منها: نقص فيتامين أ من الغذاء أو عدم امتصاصه بسبب أمراض الجهاز الهضمي، والتهاب العين السطحية وخاصة مرض التراخوما، والحماة الراشحة الأخرى والدفتيريا وأمراض المناعة الذاتية، وخاصة التى يرافقها التهابات مفصلية، فقد يحدث فيها تليفات في الغدد الدمعية وشح في إفراز الدمع، والرضوض التى تحدث تشوهات في الأجفان وقصوراً في الرمش وعيباً في إغلاق العين والحروق الشديدة سواء كانت كيماوية أو حرارية أو إشعاعية، إذ أنها تُعري العين من الدمع الواقي وتجدب الغدد المفرزة للدمع. وهذا يحدث آلاماً شديدة وتقرحات قرنية مستمرة وتغيماً في الرؤية يحمل المريض رهن التعاسة، ويصبح مأساة من الجفاف الذي يؤدى لموت الخلايا السطحية وإنقلاعها … كذلك هناك بعض الأدوية التى تنقص إفراز الدمع كالاتروبين والحبوب المانعة للحمل والأدوية المُدرة للبول.
وقد يفرط إفراز الدمع عند استخدام القطرات الخافضة لضغط العين كالبايلوكايين، في معظم الحميات التى يرافقها التهابات في الملتحمة أو القرنية، وفى التهابات العين الحادة، ولدى انغلاق الطرق المفرغة، إذ أن الدمع عندما يفيض عن حاجة ترطيب العين ينصرف من خلال قنوات صغيرة إلى كيس الدمع الموجود في الناحية الأنسية من الجوف الحجاجى، حيث يفرغ في الأنف عبر القناة الأنفية الدمعية، فإذا طرأ انسداد على مسار الأنابيب المفرغة، يركد الدمع في العين فيطفح وينهمر، وكذلك إذا زاد إفراز الدمع عن طاقة استيعاب ضخه عبر كيس الدمع يحدث الدمع، إذن لا بد من إعاضة العين بالبديل الدمعية إذا شح الدمع. ويجب معالجة أسباب نقصه حتى لا تذوي العين وتجف وتنكدر وتعمي وكذلك لا بد من معالجة فرط الدماع وفتح مجاري الدمع المغلقة إذا طفح الدمع لئلا يضطرب البصر وتتقرح الأجفان ويصبح وضع الشخص في مجتمعه محرجاً مؤرقاً. حتى تبقى دورة الدمع متزنة مقدرة حسب حاجة العين والتي تختلف حسب الشخص والمكان والزمان